ما سر مهور الزواج والجامعات؟..كيف نغسل “دولار بغداد القذر”؟ صورة أوضح عن 1000 طريقة عراقية لتبييض الأموال
منذ بضع سنوات بدأ المجتمع الدولي يفرض قيوداً على التحويلات المصرفية من العراق إلى الخارج، سواء في مصارف لبنان أو أوربا الشرقية، فابتكرت الجماعات التي لديها مبالغ كبيرة “غير شرعية” داخل العراق، طرقاً عديدة لـ”خزن المال غير المشروع”، وهو ما يعرف قانونياً بعمليات “غسيل الأموال القذرة لتصبح أموالاً مشروعة”، ولم يجد مسؤول عراقي كبير عبارة مناسبة لوصف ما يجري سوى القول بأن هذه “الأشباح العراقية الذكية” التي لديها أرباح خيالية، تبتكر ألف طريقة جديدة للتهرب من الملاحقة، تصل حد التلاعب بمهور الزواج “الخيالية” وتأسيس الفنادق وإنشاء الجامعات الأهلية، فضلاً عن شراء أغلى المجوهرات وآلاف الشقق والعقارات..الخ.
الغسل 3 مراحل!
تعرّف الأمم المتحدة غسل الأموال في اتفاق فيينا 1988، بأنه “تحويل الأموال أو نقلها مع إدراك أنها مستمَّدة من جريمة، وهدف ذلك إخفاء المصدر غير المشروع للأموال والإفلات من العواقب القانونية“.
وعملية غسل الأموال لها أساليب للتمويه والتستر على مسار المال ومن أين جاء، ولتضليل جهود الملاحقة، وأيضاً “الإدماج” حيث يجري العثور على مصدر يبدو أنه مشروع لكي تخزن فيه أموال المجرم وتبدو قانونية، وفقاً لوثيقة نشرتها الأمم المتحدة عام 2012.
على سبيل المثال، تقسم المبالغ النقدية المكتسبة من مبيعات المخدرات إلى مبالغ صغيرة ثم تودع من قبل “وسيط نقل الأموال” وتحول بعد ذلك إلى حسابات أخرى مقابل خدمات لشركات وهمية.
كيف تغسل “مليوناً فاسداً”؟
لتبسيط الأمر، فإن متورطاً لديه مليون دولار فاسدة من تجارة المخدرات أو عمولة غير شرعية من اختلاس حكومي، يقوم بتحويل المبلغ الكبير إلى دفعات “صغيرة” لشركات وهمية، تقدم خدمات مختلفة.
كم يغسل العراق وماذا حدث عام 2023؟
عملياً، اتخذ العراق عام 2007 أول خطوة للحد من غسيل الأموال من خلال تأسيس مكتب للمكافحة، يقوم بجمع المعلومات وتحليلها، وخلق تعاون مع الجهات المحلية والدولية ذات العلاقة.
وفقا لتقارير حكومية، فإن التحويلات المالية الدولية والمحلية إحدى أكثر القنوات التي تستخدم لغسل الأموال، وبلغت ذروتها عام 2019.
في تصريح سابق للنائب هادي السلامي، فإن العراق باع 40 مليار دولار أميركي في مزاد العملة، لكن هذا المبلغ قابله استيراد بـ14 مليار دولار فقط، والفارق كان مالاً مغسولاً.
عام 2023، انضم العراق إلى عضوية مجموعة “إغمونت” (Egmont) لوحدات التحريات المالية، لتعزيز جهود مكافحة الفساد وغسيل الأموال. وتضم مجموعة “إغمونت” 167 دولة تعمل على تسهيل تبادل المعلومات الخاصة بالسجلات الإجرامية وغسل الأموال وتمويل الإرهاب على الصعيد الدولي.
وبحسب الموظفيّن، فإن الشكل العراقي القديم لغسيل الأموال هو شراء أصول عقارية، والذي استفحل في السنوات الأخيرة نتيجة احتباس الأموال المشبوهة وبقائها داخل العراق مع القيود الجديدة التي فرضت مؤخراً على الحوالات الخارجية.
احتباس مالي بعد عقوبات أمريكا و”خزن الكاش”
قال اثنين من كبار الموظفين الماليين المتقاعدين، أحدهما كان في جهاز الرقابة المالية، عن أساليب الغسيل هذا، وقد وصفا مجموعة طرق وأسباب ومصادر.
وضرب أحد هذين الموظفين مثالاً صادماً عن “احتباس” تلك الأموال، بأن مجموعة متورطة بكمية كبيرة من الدولار، اضطرت إلى شراء أعداد كبيرة من الشقق في بغداد وأربيل، ليس لأغراض السكن بل لـ”خزن الكاش” الذي لا يمكن إيداعه في المصارف، التي بدأت تشدد إجراءات الفحص والتحري تزامناً مع العقوبات الأميركية التي فرضت على عدد من البنوك والشركات العراقية.
وابتكر غاسلو الأموال طرقاً جديدة من بينها تقسيم الأموال إلى وجبات صغيرة على عدد كبير من الأشخاص لديهم مصالح تجارية صغيرة، لتدويرها ومن ثم استردادها مقابل أجور بسيطة، وقال أحد الموظفين، ”من بين هؤلاء مشاهير في السوشال ميديا“.
وقال الموظفان، ، إن أجهزة الحكومة العراقية المعنية بتتبع طرق غسيل الأموال وصلت يوماً ما إلى حالة عجز تام، وقال إحدهما، إنه “سمع مسؤولا بارزاً يقول، بعد سماعه ملخصاً لتقرير كان يرصد طرق الاحتيال، إن العراقيين سيطورون ألف طريقة للغسيل كلما طورنا أساليب المضايقة والملاحقة”.
من أين يأتي المال القذر في العراق؟
وبحسب المصدرين، فإن جهات متنفذة تجمع شهرياً رواتب أعداد كبيرة من الموظفين الوهميين وتحولها إلى السوق، إلى جانب العقود الحكومية الوهمية أو العمولات الكبيرة المرتبطة بعقود فعلية، فضلاً عن تجارة الدولار والمخدرات.
ورغم أن المصادر المذكورة للأموال تراجعت خلال السنوات الماضية جراء عمليات المكافحة التي تنفذها الحكومة، إلا أن هذه الإجراءات نفسها كانت في مواجهة “جدار صلب من النفوذ”.
أحمد صدام – خبير اقتصادي،
غسل الاموال في العراق يتم بعدة طرق أبرزها شراء العقارات بأسعار مبالغ بها، او حتى تأسيس شركات أو مكاتب موجودة على أرض الواقع لكنها لا تمارس نشاطا اقتصاديا حقيقيا، للتمويه على أموال المخدرات وغيرها.
يتم الغسل من خلال شراء السيارات الفارهة أو سبائك الذهب وكذلك شراء بساتين او اراض زراعية وطرق أخرى للتخلص من الأموال ورقيا وتحويلها إلى أصول.
لا توجد تقديرات ولا بيانات دقيقة لحجم الأموال المغسولة، لكن إذا استندنا إلى ما صرحت به اللجنة المالية النيابية في البرلمان السابق، التي قدرت “حجم الهدر” بحدود 10 مليارات دولار سنويا، فإن هذه الاموال ممكن ان يتم تحويلها إلى أصول باعتبارها مغسولة.
أصول المخدرات
يتم تحويل أموال المخدرات إلى مشاريع وأصول، وإذا اعتمدنا فقط عدد التجار المحكومين بقضايا المخدرات الذين يقدر عددهم بنحو 7 آلاف، واذا افترضنا ان حجم النشاط لكل واحد منهم مليون دولار سنويا، يمكن القول إن حجم تجارة المخدرات كمعدل يكون بحدود 7 مليار دولار سنوياً.
غسيل الأموال يجري أحياناً حتى عبر مهور الزواج عبر دفع مبالغ عالية تسترد لاحقاً بعد التطليق لسداد صفقات معينة.
المهر المرتفع جدا (بملايين الدولارات) يكشف عن أموال غير مشروعة إذا لم يكن هناك مشروع أو دخل يتناسب مع الزوجين.
المصارف لا تقبل أي وديعة لا تتناسب من حيث المبلغ مع دخل صاحب الوديعة، لذلك يحصل غسيل الأموال هناك. أصحاب التجارة غير المشروعة يتفادون أساساً التعامل مع المصارف، حتى لو افترضنا جدلاً أن المصارف لا تضع قيوداً على استلام الودائع
مصطفى أكرم – خبير اقتصادي،
هناك العديد من الطرق التي تستخدم من أجل إجراء عمليات غسيل الأموال في العراق.
سابقاً كانت الطبقة السياسية أو الجهات الأخرى تقوم بعملية غسيل الأموال عبر المصارف الأهلية في لبنان.
بعدها توجهوا إلى المصارف الأوروبية، لكن المجسات الأميركية اكتشفت هذه العمليات وقضت عليها.
دعم المشاهير
بعد التشديدات العالمية على عمليات غسيل الأموال توجه العراقيون نحو غسل الأموال عبر شراء العقارات سواء في بغداد أم المحافظات.
الطريقة الثانية الرائجة الآن بعمليات غسيل الأموال هي دعم جهات وشخصيات معروفة لديها مصادر عمل متنوعة مثل الشركات البسيطة والبلوغرات وغيرهم.
هذه العمليات تعطي شرعية لهذه الأموال لإعادة استخدامها أو إيداعها في البنوك بشكل رسمي وقانوني.
ابحث عن المصدر
تقدير حجم الأموال التي تمّ الاستيلاء عليها بطرق غير مشروعة في العراق يحتاج إلى جهود من مؤسسات حكومية ودولية متخصصة، من خلال البحث في مصادر تلك الأموال سواء كانت أموالاً عامة مستولى عليها، أو ملفات تلقي الرشى عند المسؤولين والموظفين في القطاع العام، وهي مصادر تخلق إيرادات مالية كبيرة، عبر مخالفات قانونية وإدارية في الوزارات والمحافظات والمؤسسات العامة.
لجأت بعض الشخصيات المتورطة بقضايا الفساد إلى استخدام مهور الزواج لغسيل الأموال غير المشروعة، بهدف التغطية على تضخم ثروات بعض الأشخاص وذويهم، تتم هذه العملية عبر تضخيم مبلغ مهر الزواج وتسجيله في عقود الزواج للتغطية على تضخم الثروات، أو لتحويل الأموال خارج البلاد.